منذ أيام قليلة وفي صباح أحد الأيام وسط الأسبوع قبيل خروجنا كلُ إلى عمله أو مدرسته
طلبت من ابني عبدالعزيز أن يحضر لي ملعقة
فذهب وعاد لي بملعقة رديئة جداً ( يبدو أنها أتت كهدية مع واحد من المنتجات الغذائية) فاستغربت منها وقلت له ألم تجد غير هذه الملعقة ؟!! فرد علي محاولاً تبرير موقفه بأنه لم يرى غيرها فأخبرته بأن الملاعق توجد بالدرج الفلاني والخانة الفلانية وأن لدينا العديد من الملاعق الجيدة فكيف تحضر لي هذه ؟
فأجاب بأن تلك الملاعق مخصصة للضيوف فانفعلت قليلاً وقلت له الضيوف أعز وأكرم منا نشتري الأشياء الممتازة بأموالنا لأجلهم ونعيش نحن على الرديئة أو المتوسطة ؟؟؟!!!!
هذا الموقف جعلني أسترجع الكثير في حياتنا المجتمعية
فالغالبية يعيشون تحت أشعة الشمس تاركين الظل الوارف للضيوف والأخرين
فتجدهم يقتصدون في غرف المعيشة بأبسط الأشياء أو متوسطها ويبقون غرف الاستقبال الفارهة والمجالس الفخمة محظورة على ذوي البيت حتى تكون تحت إمرة الضيف الكريم عند تشريفه ومقدمه الميمون ليحظى بروعة وجمالية المكان ويستمتع برفاهية المقاعد الوثيرة ويحتسي ما يقدم له من مشروبات في أجمل الأقداح والفناجين .
ناهيك عن الأطباق والملاعق التي ستقدم له بكل بريقها ولمعانها الأخاذ لتمنحه انطباع بأن هذه الأسرة تعيش حياتها بهذا المستوى وهذا الكمال بينما الجانب الواقعي أو المظلم يكون بالداخل.
والبعض لا يتوانى عن تقديم الولائم الفخمة و(المفاطيح ) وصحون الفاكهة الضخمة أو البوفيهات المتنوعة لأجل ضيوف ربما لا يلاقيهم في السنة إلا مرات قليلة .
بينما لا يفكر في أن يدعو أصحابه أو أهله لمنزله وأن يقدم لهم ربع ما قدمه لضيوفه الكرام أو أن يشتري يوماً ما ذبيحة ويقوم بتوزيعها على أقاربه أو المحتاجين منهم.
وتجد المقبل على البناء في جدال كثير مع مصمم منزله ومع زوجته وشغلهم الشاغل هو نعمل كذا وكذا ( عشان إذا جاو لنا ضيوف) , نقلل من حجم غرف الصالة والمطبخ لكي نوسع المجلس وغرفة الضيوف , نغرق أنفسنا بالديون لأجل عين الناس والضيوف وكأنهم أولى منه ومن أسرته ……
والبعض يشتري لنفسه الساعة الثمينة أو العطر الفاخر والملابس الأنيقة والأحذية ويبقيها حبيسة الخزانة خوفاً عليها ولكي يظهر بها فقط بالمناسبات ليبهر عيون الناس .
ويعيش بقية أيامه بشكل عادي أو كيفما أتفق .
و من يشتري سيارة جديدة فخمة فيعمد لتخزينها محافظة عليها ويحرم نفسه الاستمتاع بها ويبقي على سيارته المهترئة.
عندما تلد المرأة وتفتح منزلها لاستقبال الأميرات صاحبات السمو والإجلال
أقصد المهنئات المسيرات _ الباحثات عن القصور أو الأخطاء بأعينهن هنا وهناك
( تعال تفرج على البذخ اللي ما يمديني أكتب عنه وش بقول ووش بخلي)
بينما زوجها ربما لم يجد يوم وردة بلاستيكية مع وجبة فطوره أو قهوة المساء هذا إن وجد الفطور أو القهوة .
نجتهد في أعداد الطبخة الجميلة ونستغرق وقتاً في وضعها في طبق التقديم بشكل أنيق ومتقن ..ووقت أكثر في تصويرها وتوثيقها ليشاهدها الناس ويتخيلوا مدى تلذذنا بها
والثمن هو أنها بردت وذهبت سخونتها أثناء جلسة التصوير الاحترافية المتكررة
ناهيك عن أكواب القهوة التي تسكب بعد الانتهاء من تصويرها لأن كاميرات جوالاتنا سرقت بخارها الدافئ
خلاصة القول
السعيد هو من يفكر في إسعاد نفسه وذويه كل يوم وأن لا يشتغل بالسعي لنيل رضا الناس وترك الانطباعات الكاذبة عنه في أنفسهم .
كتبه بدر بن عبدالعزيز الدهام
9/3/1441 هـ