على ضفاف الإنسانية يتجلى البيان، ويُشد العنان، على ناصية كل أمرٍ يحوينا ويحتوينا..
نعم، الحياة قصيرة، فما هي رسالة أعمارنا فيها؟
وبماذا نعرف الرفق؛ ولمن نُعطيه؛ ومن يستحقه؛ وما هي القصص والحكايا التي أنجت أصحابها لحُسن تعاملهم؟
فالرفق بشكلٍ مُبسطٍ جداً: هو الرأفة والعطف والرعاية بكل من يُحيط بنا سواء أكان إنساناً أو حيواناً أو نباتاً…
هذا من جانبٍ، والجانب المُهم في دواخلنا نحن البشر هي الإنسانية، فمتى ما عرفناها، وأدركناها، ركبنا قوارب الغاية وأعواد الدراية، وجدفنا للنجاة والفوز بالجنة، ومرافقة أهل الصلاح والفلاح..
حتى أن في الحديث الشريف ثبت بأن الناس صنفان: إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق..
فما حالنا إذا ما تجلت أمامنا طرق الجنة بأبسط الأمور، فما أعظم الرب، وبهاء الدين، والحرز القويم..
وهل تذكرنا نجاة ذاك العبد الصالح وفوزه بقصور الجنان، نتيجة رفقه بتلك القطة التي فقدت من يرعاها لجنسها؟
أم حكاية تلك العجوز التي أعمرت الأرض بالرعاية والسقاية واخضرار الأشجار..
حيث جعلت من تصحر الرمل مسبحة للدعاء، ومن الطيور صلاة للبهاء، ومن الثمار تُحفة للعطاء.. فكم يُحتسب الأجر لها ولأترابها؛ وكم كبدٍ رطبةٍ أحيتها وربتها بفعلها؟
أجل، لولا رفق الإنسان بمن حوله لما تجدد الدين في دواخلنا بالمعاملة؛ فما حال عطف الأبن بوالده كما أعطاه، ولأُمه كما سهرت عليه في تلك الليالي الحالكة بالحرارة والبرودة على حدٍ سواء؟
لولا الرفق بما حولنا لما استدامت الأرض بخضرتها وسمائها، فكم طيرٍ يُحلق؛ وكم غُصنٍ يُفلق؛ وكم دعوةٍ مُستجابة؟!
فهل نُنكر بأن كل شيءٍ يُحيط بنا يُسبح الله ويُقدسه؛ أم إننا نؤمن تارة، ونستفيض جواره؟
فكم هرةٍ تسكن البيوت؛ وكم حمامةٍ تُزين مدارها؛ فإذا ما ماتوا الكل قالت أُمهاتنا بلهجتنا الأحسائية: “غدا الشر، واستقر الأجر، وحفظك الرحمن”
الرفق يا أحبائي هو العطف على أهلنا كما ربونا، واعتصروا قلوبهم لأجلنا، حتى أنهم قصروا على أنفسهم بأبسط الأمور، كيما يرونا بأفضل حال، وأحسن نوال..
الرفق بأن نؤمن بهذه المقولة المتواترة: “كما تُدين تُدان”.. فهُنا جدي وجدتي، وهُناك عمي وخالتي، وهُنا عزي وعزوتي.. فكم لُطفٍ جلي، يُقومه سامٍ علي..
فالحمد لله على صُحبتهم لي بالصحة والعافية وطول العُمر..
لذا، الرفق بأن نعطف على ذلك الصبي المسكين بعربته، وتلك السيدة التي تجوب الأسواق الشعبية للقمة عيشها، لمساعدة زوجها المُعاق ربما، والكبير بإنما، والقاصر بريثما.. وكذلك التحنان بذاك العامل الذي أحرقت الشمس كاهله ونواظره، وهو ينظف نفايات أفعالنا المُشينة، وهو يكنس أوساخنا بالمرافق العامة.. والمُضحك المبكي في آنٍ بأن نُحاسب من حولنا بتقصيره وتوفيره وننس أنفسنا مُكابرةً!!
أما رواية الخاتمة فهي لتلك السيدة التي أطالت النظر في السماء، فظللها الله بكل العطايا لنجاح أولادها وأحفادها..
فإذا ما أردنا أن نستدر الكلام بالمكان والزمان، فلنذهب إلى دور العجزة وكبار السن، والمشافي، لنعرف ذاتنا تحت كلامهم بصدق الدموع، وانحناء الموجوع.. أو لنروي لأصحابنا دلالة هذا المعاق الذي أفنى عُمره في مُساعدة الآخرين بالصدق والاحترام..